هذه المدونة موجّهة لطلبة السنة الثالثة في قسم اللغة العربية بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان والمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بقفصة. تهدف المدوّنة إلى مساعدة الطلبة على فهم مسائل علم الدلالة وتدبّر قضاياه والتفاعل مع أسئلتهم وتوفير روابط لتحميل المراجع الالكترونيّة اللسانية المتاحة. أ.منجي العمري
العودة إلى الصفحة الرئيسية لمنصة عين عربيّة
الاثنين، 18 أبريل 2016
الأربعاء، 13 أبريل 2016
الدرس الثاني: أهّم قضايا المعنى في الدلالة المعجميّة
الدرس
الثاني: أهّم قضايا
المعنى في الدلالة المعجميّة
أهداف الدرس:
* تبيّن أهمّ المقاربات النظريّة في اللسانيّات لمعنى
المفردة في تصوّر علم الدلالة.
* إبراز مواطن الاتّفاق والاختلاف والتأثّر والتأثير بين
مختلف المقاربات النظريّة للمعنى المعجميّ.
* فهم ما أحدثته العلوم المجاورة من تأثيرات منهجيّة
وخلفيّات نظريّة في علم الدلالة المعجميّ.
مقدّمة:
أهمّ
إشكاليّات الدلالة المعجميّة:
تدرس الدلالة المعجميّة المعنى المفرد للكلمة خارج سياقها
التركيبيّ. فمن الملاحظ أنّ كلمة "كرسيّ" يمكن أن تتعلّق بها معاني
مختلفة بحسب استخدامها في القول (الفاعليّة، المفعوليّة، التخصيص...) إلاّ أنّ كل
تلك المعاني الحادثة في التركيب لا تعني المعجميّ في شيء؛ لأنّه ينظر إلى كلمة
"كرسيّ" خارج التركيب أي باعتبارها لفظا يحمل معنى ضمن قائمة الكلمات في
المعجم مثل "طاولة" و"حصان" و"علم".
ومن أبرز القضايا التي أثيرت: تحليل مكوّنات معنى الوحدة
المعجميّة تحليلا شكليّا ذرّيّا وتحديد العلاقات الدلاليّة التي ينسجها معنى الوحدة
المعجميّة مع مختلف معاني الوحدات (ترادف اشتراك...) كما طرحت قضيّة إحالة المعنى
المعجميّ على الكون الخارجيّ اعتمادا على جهود السيميائيين والفلاسفة في توسيع
النظر في مفهوم العلامة اللغوية السوسيري . وتبدو هذه القضايا منفتحة على مقاربات
مختلفة تتراوح بين اعتبار بنيويّ وصوريّ وتصوّريّ.
I- المقاربات
المنهجيّة العامّة في تصوّر الدلالة المعجميّة:
تأثّرت الاتّجاهات العامّة للدلالة المعجميّة بما توارثه
اللسانيّون الغربيّون من نظرة إلى المعجم. ومن أبرز خصائص هذه النظرة المؤثرة في
علم الدلالة المعجميّ:
* نظرة كلاسيكية للمعجم تجعله مرتبطا بالمعنى غير القابل
للحصر فيكون كلاهما غير قابل للانتظام وفق نسقيّة نظريّة، فكان كثير من الباحثين
يعرّف المعجم بـأنّه "مجموع المفردات غير المنتظمة في نسق في لغة ما"[1]. ولذلك يُعدّ الاهتمام
بالمعجم في التّقاليد اللّسانيّة الغربيّة حديثا خاصّة في بعده النّظريّ في مقابل
تأصّل الاهتمام بالنّحو والدراسة الصوتيّة منذ العصور اليونانيّة والرومانيّة.
فالغربيّون اعتبروا المعجم لقرون مجرّد قائمة من الكلمات ضمن لسان محدّد تخلو من
أيّ نسقيّة أو نظام على خلاف نظرتهم الحديثة التي بدأت تعتبر المعجم نسقا قائما
بذاته . ويصف إبراهيم بن مراد تلك النظرة إلى المعجم التي سادت عند اللسانيين
الغربيّين بأنّها "متخلّفة" و"ضعيفة"، وهي لم تخرج عن تصوّر
القرن السابع عشر الّذي يعتبر المعجم "قائمة من مفردات اللغة توضع بين دفّتّي
كتاب، بحسب منهج ما في الترتيب وفي التعريف"
مقدمة لنظرية المعجم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1997، ص .52
* اهتمّت الدراسات اللسانيّات الحديثة بالجانب النظاميّ
لمعاني المفردات في المعجم (lexique) في مقابل طرق تصنيف المعاجم وترتيبها (dictionnaire). وكان منطلقها مع دي سوسير ضمن اختصاص متفرّع عن اللسانيّات
يتناول دراسة الكلمات في مظاهرها الصرفية والصوتميّة والدلاليّة يعرف بالمعجميّة
النظريّة (lexicologie) مقابل اختصاص المعجميّة
التطبيقيّة (lexicographie). ومن الواضح أنّ مساهمة
علم الدلالة المعجميّ في تطوير المعجميّة النظريّة كانت ضمن هذا المظهر الثالث. كما
أنّ بعض النظريّات النحويّة التي حاولت الخروج من الطابع الشكلي وإقحام عنصر
الدلالة التجأت إلى إقحام الدلالة المعجميّة للكلمات ضمن تصوّراتها النظريّة
النحويّة. فساهم ذلك في تطوير الاهتمام بالدلالة المعجميّة من ذلك مثلا نظريّة
النحو التوليدي الّتي اعتبرت "أنّ المعجم مكوّن تابع من مكوّنات النحو وأنّ
هناك ارتباطا وثيقا بين القواعد المركبيّة والقواعد المعجميّة" [الفاسي
الفهري، 1999، ص15]. ومن ذلك أيضا ما يُعرف بالأنحاء المعجميّة التي ازدهرت في
فترة الثمانينات وأعطت لمعنى الوحدة المعجميّة دورا في النظام الشكليّ للنحو.
هذه التقاليد جعلت بداية الاهتمام بالمعنى في علم
الدلالة منصبّا على معاني الوحدة المعجميّة أكثر من معاني التركيب بسبب اعتقاد
يعتبر ضبط الدلالات المعجميّة وحصرها في مفردات المعجم أيسر منالا من تحديد معاني التراكيب
في مختلف الاستخدامات السياقيّة.
1-
التصوّر البنيويّ لمدلول الكلمة في الدلالة المعجميّة:
يعكس تركيز علم الدلالة في البداية على الطابع المعجمي
للمعنى توجّها عامّا في اللسانيّات يركّز على إطار الكلمة (لسانيّات الكلمة)
تأثّرا بمبادئ دي سوسير التي ركّزت على مفهوم العلامة اللغويّة بمكوّنيها: الدال
والمدلول. قادت هذه المبادئ السوسيريّة إلى جملة من النتائج فيدراسة المعنى عند
البنيويين. فكيف أثّرت المبادئ الشكليّة عند دي سوسير والمدارس البنيويّة المنبثقة
عنه في طريقة تناول المعنى المعجميّ؟
أ- تركيز البنيويّين على الشكل على حساب المعنى:
- اللسانيّات عند سوسير علم هدفه دراسة الجانب الشكليّ
(المجرّد) من اللغة لا الجانب المادّيّ (الصوت). وهو يعتبر الكلمة من هذه الزاوية
الشكلية دليلا لغويّا ثنائيّ المكوّنات: دال (الجانب الشكليّ من الصوت) ومدلول
(المعنى باعتباره صورة ذهنيّة).
إنّ البنية عبارة عن مجموعة من العناصرالمترابطة
فالعناصر داخل النظام لها قيمة تمييزيّة (valeur
distinctive) ومعنى ذلك أنّ العنصر قيمته داخل
النظام في اختلافه عن غيره . فمثلا (ل) لها قيمة تمييزيّة في (قلم) تختلف عن قيمة
(ل) التمييزيّة في الكلمة (سهل) لأنّها تؤدّي دورا دلاليّا مختلفا. والصورة
الأكوستيكيّة في الدال أو الصورة الذهنيّة في المدلول كلاهما بنية تربط بين سمات
تمييزيّة.
- ركّز البنيويّون على دراسة الشكل ولم يهتمّوا كثيرا
بالجانب الدلاليّ من العلامة اللغويّة إلا بما يخدم بنية الشكل. فالمعنى (المدلول)
يعتبر عندهم ثانويّا قيمته في التمييز بين المدلولات. فمثلا لا يوجد صوتمان
مختلفان بين كلمتي /بكّة/ و/مكّة/ طالما أنّ الكلمتين تؤدّيان نفس المدلول فيمكن
اعتبار /بـ/ بديلا صوتميّا لـ /م/ أي
معوّضا: طريقة أخرى في تأدية نفس الصوتم). لكن يوجد فرق بن الصوتمين /بـ/ و/مـ/ في
الكلمتين: /بلح/ و/مرح/طالما أنّهما يعبّران عن معنيين مختلفين كلمتين مختلفين.
ب- تأثّر التحليل المكوّنيّ (السيميّ) بالمنهج الشكليّ
في تحليل الصواتم :
انصبّت جهود أغلب المدارس البنيويّة على تحليل الدال
خاصّة ضمن علم الأصوات الذي يعرف كذلك بالصوتميّة (phonologie). فقد مدرسة براغ 1927 (تروبتسكوي، جاكبصون، مارتنيه) ركّزت مثلا
على تحليل الدال تحليلا شكليّا إلى صواتم ثمّ إلى سمات تمييزيّة للصوتم تسمّى سمات
صوتميّة (+مجهور +مهموس..) وقد تأثّر علم الدلالة بهذه المنهجيّة البنيويّة في
التحليل المكوّنيّ من خلال تحليل مدلول الكلمة (المعنم sémème) إلى سمات دلاليّة دنيا بنفس الطريقة التي اعتمدها علماء
الصوتميّة. وتسمّى تلك الذرّات التي يتكوّن منها معنى الكلمة "معينمات" أو
"سمات دلاليّة" sèmes)).
- من مظاهر التركيز على الجانب الشكلي عند البنيوين ونقل
منهجيّة تحليله إلى الجانب الدلالي توسيع يلمسلاف لمفهوم الشكل في العلامة
اللغويّة ليشمل المدلول، فإذا كانت اللغة حسب دي سوسير شكلا لا مادّة، وإذا كانت
العلامة اللغويّة تتكوّن من دالّ ومدلول (بمصطلحات يلمسلاف: الدال: التعبير /
المدلول : المضمون) فإنّه يمكن التمييز ضمن الدال بين شكل الدال ومادّة الدال
ويمكن التمييز ضمن المدلول بين شكل المدلول ومادّة المدلول.
يقدّم يلمسلاف بهذا التوسيع لمفهوم العلامة بعدا شكليّا
للمدلول فشكل المضمون (شكل المدلول) يعني القواعد والنظام الذي ينظّم به الذهن تلك
الصورة الذهنيّة للموجودات في شكل وحدات دلاليّة. فمثلا لو نظرنا في مدلول كلمة
/حديقة/ لوجدناها تعود على مكان قد يكون له وجود مادّي حقيقيّ (أنواع محدّدة من أزهارالزينة،
مقاعد من خشب أو حديد، ممرّر واسع أو ضيّق، قد يوجد مشرب أو لا يوجد، قد تكون
حديقة كبيرة أو صغيرة، عموميّة أو خاصّة...) وهذا ما نعتبره مادّة المضمون لكنّ
الصورة الذهنيّة لمعنى الحديقة تقع في ذهن السامع منظّمة في شكل بنية دلاليّة حسب
خصائص شكليّة محدّدة فحتّى وإن لم يذهب السامع إلى الحديقة مطلقا يمكن له أن يصوغ
صورة الحديقة في ذهنه في شكل سمات عامّة تمثّل "شكل المضمون" مثل: (+ مستطيل،
+مدخل، + ممشى + أزهار + حائط + تنزّه + جمال + هدوء).
يشير غريماس أحد أبرز المختصّين في الدلالة البنيويّة
إلى أن البنية الدلاليّة تعني شكلا عامّا ينظّم العوالم الدلاليّة سواء كانت تعود
على أشياء موجودة أو هي عوالم ممكنة. والبنية الدلاليّة في تصوّره ثمرة ترابط بين
التعبير والمضمون؛ أي بين بنية الكلام وفكرة تصف العالم وكل تغيير في الجانب
الشكلي ينجرّ عنه تغيير دلاليّ بالضرورة. فالبنية الدلاليّة مضمونها
صورة ذهنيّة متكوّنة من وحدات دلاليّة دنيا (معينمات) على غرار ما هو موجود في
اعلم الصوات. فهناك توازي بين الجانبين الشكلي والدلاليّ [Greimas ;
Du Sens, p40].
بهذا المعنى يكون المنهج البنيويّ في علم الأصوات مؤثّرا
في تحليل الدلالة المعجميّة للمفردة وفي الطريقة الشكليّة التي وقع بها تحليل ذرّات
المدلول التي تُعرف بالتحليل المكوّني أو ما التحليل السيميّ/المعينميّ (analyse
sémique).
ج – منهجيّة التحليل السيميّ:
أوّل من وضع مصطلح التحليل المعينميّ إيريك بايسونس (Eric
Buyssens) سنة 1930 ثمّ توسّع فيه برنار
بوتيي (Bernard Pottier) سنة 1960 وعُرف به
كذلك غريماس (Algirdas-Julien Greimas). ويقوم التحليل السيميّ على جملة من المبادئ
المنهجيّة في تحليل البنية
الدلاليّة لمعنى الكلمة:
*اعتماد التقابل
الثنائيّ بين السمات الدلالية لمدلولين أو أكثر ؛ فمثلا مدلولات كلمات مثل الأسد
والرجل والصخرة تحمل سمات دلاليّة قائمة على التقابل بين حيّ/جامد أو
إنسان/حيوان أو عاقل/غير عاقل. ولذلك تعتمد منهجيّة التحليل السيميّ على
المقابلة بين سمات المدلول وما يقابله من سمات المدلولات الأخرى.
* تتدرّج المعينمات المكوّنة للبنية الدلاليّة للكلمة من
العام إلى الخاصّ. فالمعينمات العامّة عبارة عن خصائص مشتركة بين كثير من
المدلولات ويسمّيها بوتيي معينمات الجنس. فحين نحلّل كلمات (رجل، مرأة، شاب، كاتب،
مدير...) هناك بعض السمات التي نجدها دائما في كلّ تحليل لأنّها تتعلّق بالجنس
الذي تنتمي إليه (+حيّ +جامد +إنسان + قيمة ). وحين نحلّل كلمات مثل (أعرج، رضيع،
طفل، أعمى) نلاحظ أنّها قد تميّز بسمات خصوصيّة تميّزها عن باقي خصائص الجنس البشري
مثل (+ إعاقة، ـ ناطق ـ بصر ـ ناطق +قاصر) وتُسمّى المعينمات الخصوصيّة أو
الخاصّة. وكلا النمطين من المعينمات ثابت لا يتغيّر.
ـ هناك سمات دلاليّة متغيّرة بحسب السياق والخصائص
الثقافيّة مثل السمة الدلالية "الإسلام" في التحليل المعينمي لمعنى كلمة
(هلال) في مجتمع مسلم. فهذه السمة لها بعد ثقافي قد لانجده في مجتمع آخر غير مسلم.
فهذا النوع من السمات متغيّر لأنّه يخضع للخصوصيّات الثقافيّة مثل السمات (+سلام) في
كلمة الحمام أو (+شؤم) في كلمة البوم.
ـ قد نستعمل مصطلح معينم أو مصطلح سمة دلاليّة على سبيل
الترادف، لكنّ مصطلح "السمة الدلاليّة" يبدو أوسع بسبب اشتماله، إضافة إلى
المعينمات العامّة والخاصّة، على المعينمات المتغيّرة.
2-
التصوّر المنطقيّ للمعنى في منوال ( ش ض ك):
يستند التحليل المكوّنيّ في علم الدلالة المعجميّ لمعنى
الكلمة المفردة سواء عند البنيويين أوعند التوليديين إلى خلفيّة منطقيّة أرسطيّة
تعرف بمنوال الشروط الضروريّة والكافية (ش.ض.ك) ويمكن ان نتناول تأثير هذا المنوال
في نقطتين:
* قيام المنطق الأرسطي على ثنائيّة الصدق/الكذب. فأن
نقول "زيد طالب في الجامعة" أو "الأسد له منقار" فهذه المعاني
إمّا أن تكون كاذبة أو صادقة فهو إذن منطق ثنائيّ القيمة.
* يعتمد انتماء أيّ شيء إلى صنف ما أو مقولة محدّدة على
توفّر جملة من الشروط الضروريّة والكافية في معناه. فمقولة "طالب"
تتطلّب [شاب/شابة ، باكالوريا، اختصاص، بحث، معرفة، طموح، شهادة]
* وجود حدود صريحة بين المقولات والتصوّرات، فهناك فرق
بين (طالب/تلميذ/باحث/عصاميّ/مجاز).
يمكن أن نفسّر هذه المبادئ وطريقة تأثيرها في تصوّر معنى
المفردة اعتمادا على الأمثلة التالية:
العناصر (أ) و(ب) و(ج) مجموعة من الحيوانات يمكن أن
نحدّد انتماء أحدها إلى مقولة محدّدة (الطيور، الكلاب، القطط، السمك) اعتمادا على قيمتي
الصدق والكذب (إيجاب/سلب).
(أ) ينتمي أو لا
ينتمي إلى مقولة الكلاب. فمثلا لو كان (أ) اسمه "طوم" وهو عبارة عن قطّ
يمكن أن تكون لدينا قضيّتان:
(طوم) ينتمي إلى صنف الكلاب [قضيّة كاذبة] (طوم) ينتمي إلى صنف القطط [قضيّة صادقة]
مالذي يجعل انتماء (أ) إلى صنف القطط قضيّة صادقة أو
كاذبة؟
يكون انتماء العنصر (أ) أو (ب) أو (ج) إلى مقولة محدّدة
(القطط/الكلاب/ الطيور...) بناء على توفّر مجموعة من الشروط الضروريّة والكافية،
فقولنا : [سمعت "طوم" يموء] هذه القضيّة صادقة فقط إذا توفّرت في
"طوم" جملة من الشروط تجعله ينتمي إلى مقولة القطط:
(أ)← قطّ إذا : * له مخالب * له مواء * صغير الحجم * لاحم
وعاشب معا * *قابل للترويض * يأكل الفئران
(ب)← كلب إذا: * له مخالب * له نباح * متوسّط الحجم *
لاحم وعاشب * يصلح للصيد والرعي.
(ج) ← طائر إذا:
* له منقار *جناحان *يطير * له ريش
*يبيض.
معنى المفردة إذن يمكن تحديده من خلال مجموع الشروط
الضروريّة والكافية لانتماء ذلك المعنى إلى المقولة: هذه الشروط عبارة عن سمات
منفصلة ضرورية للانتماء وتوفّرها جميعا يكفي
للانتماء للمقولة ولتصنيف (أ) أو (ب) أو(ج) ضمن مقولة القطط أو الكلاب أو
الطيور.
هذا التصوّر المنطقيّ لشروط الصدق اقتبسه في اللسانيّات البنيويوّن
والتوليديّون في التحليل المكوّني لمعنى الكلمة أو لمعنى الجمل.
3-
التصوّر الشكليّ للمعجم عند التوليديّين:
من أهمّ القضايا التي يثيرها تصوّر الدلالة المعجميّة في
النحو التوليديّ:
- علاقة التبعيّة ين المعجم والنحو: فاعتبار الدلالة
النحويّة تابعة للجملة كأنّه يقتضي القول بأنّ دلالة الجملة هي مجموع دلالات
الوحدات المعجمية الموجودة فيها. وكأنّ المعجم دوره فقط هو تأويل الجانب التركيبي
الشكليّ.
- شكلنة المعجم:
وارتباطه بتصوّر منطقي للمعنى -
اعتبار المعجم قائمة من الكلمات ذات المعاني المغلقة يمكن تحديدها مسبقا
وشكلنتها ولذلك اعتمد التوليديون على تصوّر السمات الدلاليّة وأخضعوها إلى قيود
الانتقاء. هذا التصوّر مستمدّ من منوال الشروط الضرورية والكافية المنطقيّ في
تصوّر المقولات.
يطرح التصوّر التوليدي النحو باعتباره عضوا في ذهن
المتكلّم مهمّته توليد الجمل، ومع وجود نقاش حول اقتصار النحو التوليدي في نماذجه
الأولى على الجانب التركيبي الشكلي دون أن يعطي للمعنى دورا، قام شومسكي وبعض من
اللسانيين التوليديين (كاتز وفودور وبسطل) باقتراح مكوّن المعجم باعتباره جزءا من
النحو التوليدي مهمته إعطاء معنى للكلمات لكنّ دوره بقي تابعا للنحو.
* القواعد المقولية: عن طريقها يقع إعادة تعريف الوحدات المعجمية من خلال
سماتها المقولية في شكل سمات دلاليّة:
الاسم: طفل [+حي
+ عاقل ]
كلب [+حيّ - عاقل] كرسي [+جامد + مادّي]
"ضرب الطفل الكلب بالكرسيّ"
ولذلك اعتمد التوليديون على مفهوم السمات الدلاليّة في
تحليل المعنى المعجمي باعتبارها سمات كونيّة لكن الوحدة المعجمية تحلل دلاليا
باعتبارها جزءا من سلسلة الجملة فيقوم النحو بانتقاء السمات الدلالية المناسبة
للجملة عن طريق قواعد الإسقاط.
فمثلا كلب [+ شتيمة] [+ حيوان ] [+اسم قبيلة] (مثال
الحارث بن كلب) فيقع انتقاء السمات المناسبة للجملة.
كما أنّ الوحدة المعجمية تتّخذ دلالتها الأساسيّة
انطلاقا من دورها في الجملة فمثلا في الجملة "رمى اللاعب الكرة" تحللّ
كلمة "الكرة" في نظريّة الأدوار الدلاليّة المهتمّة بدلالة الوحدات
المعجميّة باعتبارها "مستفيدا" ويحلل "اللاعب" باعتباره
"منفّذا".
* الإقحام
المعجميّ: قواعد الإقحام المعجمي هي القواعد التي تضمن إدخال الوحدات المعجمية إلى
البنية المجرّدة للجملة في البنية العميقة في مكانها المناسب بحسب خصائصها
المقولية اقترحها بسطل ضمن النحو التوليديّ. فتمكننا مثلا من إنتاج القول
"رمى اللاعبُ الكرةَ" بدل "رمى الكرةُ اللاعبَ" أو "ضرب
الطفلُ الكلبَ بالكرسيّ" بدل "ضرب الكلبُ الطفلَ بالكرسيّ".
4-
الطراز ونظام المَـقْـوَلَة (catégorization) في تصوّر المعنى المعجميّ:
النظريّات والمفاهيم الدلاليّة في الطورين البنيويّ
والتوليديّ غلب عليها تأثير منوال (ش ض ك) لكنّ انفتاح الدلالة العرفانيّة على
مناويل جديدة في علم النفس العرفاني سيؤدّي إلى نقد التصوّرات الكلاسيكيّة
للمعنىواقتراحات نظريّة جديدة.
أ- نقد العرفانيين لمنوال (ش.ض.ك) في تصوّر معنى الكلمة:
- كل العناصر متساوية في انتمائها إلى المقولة (الكلب
العربي/ السلوقيّ/الكانيش/البلدغ ) وهذا ما يخالف الحقيقة والواقع فالعناصر
المنتمية إلى المقولة تختلف في سمات فرعيّة. فهذا المنوال يستبعد السمات العرضيّة
في معاني الكلمات وخاصّة السمات ذات البعد الثقافي في معاني الكلمات: مثال الحصان:
فروسيّة أصالة/ الهلال: الإسلام..
- هناك حالات كثيرة يكون فيها حصر الشروط الضرورية
والكافية أمرا صعب المنال؛ مثلا ماهي شروط اللون الأحمر لكي نحدّد قائمة من الشروط
الكافية لتعريفه؟ وما الذي يجعل تلك الشروط - إن وُجدت- تختلف عن شروط اللون
الأصفر أو الأخضر؟ هناك عجز أحيانا عن تحليل معاني الألوان فليس لها شرط غير كونها
لونا.
- الأجناس الطبيعيّة من الصعب ضبط شروطها بدقة لوجود
عناصر شاذة: الإوزّ طائر لا يطير/ الخفاش يطير ولكنّه ليس طائرا. وطائر الكيوي (kiwi)
ينتمي
لفصيلة الطيور لكن ليس له جناحان فهل سنحذف هذا الشرط؟
- تبدو طريقة تفسير معنى الكلمة من خلال تجميع قائمة في
العناصر المشتركة المتساوية في القيمة بين العناصرلا تكفي لجعلها تنتمي إلى
المقولة، فهناك دائما عنصر أكثر تمثيلا للمقولة (العصفور يمثل الطيور/ الكلب
الأليف يمثل الكلاب) وهناك عناصر هامشيّة يقع استبعادها (صغر كلب الكانيش/ غياب
الأجنحة عن الكيوي...)
- الكلمة متعدّدة المعنى ولا يمكن حصرها أحيانا في مقولة
واحدة ولذلك لا يمكن للفصلبين المقولات أن يساعد في تبيّم مختلف معانيها.
ب – تصوّر العرفانيين للمقولة من خلال مفهوم التشابه
الأسريّ:
عندما يفكّر الإنسان في الأشياء من حوله وينشئ حولها
المعاني والدلالات فإنّه يقوم بعمليّة المَقْوَلةَ أي يصنّف الأشياء وفق مقولات
وأصناف، فكل أفكارنا وحركاتنا وتصوّراتنا نشاط عقليّ قائم على التصنيف إلى مقولات،
وحين نحدّد معنى كلمة نعود إلى عشرات المقولات الراسخة في أذهاننا فلو قرانا مثلا
كلمة "طفل" في رواية فإنّ ذهننا يعود إلى مقولات تنظيم عمر الإنسان من
رضاعة وطفولة وشباب وكهولة ومقولتي التانيث والتذكير مقولة البراءة ويقابلها
بمقولة الخطأ والصواب والقصد والرشد والعقل... لكنّنا لسنا دائما نستخدم هذه
المقولات بشكل قصديّ فطريقة تفكيرنا قائمة على نظام المقولة والتصنيف. فهل تكون
الاشياء في حقيقتها منفصلة بين المقولات وعلى ايّ اساس ندرج شيئا دون ىخر ضمن
مقولة بعينها؟
- معنى المفردة يندرج ضمن مقولة تشمل أفرادا متعدّدة
ومتنوّعة ومتجدّدة بتجدّد الواقع والمفاهيم والأشياء. ولذلك من الصعب تحديد شروط
ضروريّة وكافية لتحديد معناها. فهل معنى رواية أو قصيدة أو سلاح ناري أو سيّارة أو
طائرة في بداية القرن العشرين هو نفسه في بداية القرن الحادي والعشرين. لا شكّ أنّ
مقولة السيارة قد تطوّرت وكذلك السلاح الناري والطائرة تصوّر الرواية والشعر.
من أبرز ما يميّز تصوّر العرفانيين للمقولة إقرار وجود
استرسال بين المقولات والمعاني. فمثلا ثمّة دلالة ما تجمع معاني كلمة عين سواء
تعلّقت بمعنى عضو الإبصار أو منبع الماء أو الجاسوس. فمعاني الكلمات في الذهن ليست
منفصلة بحدود صارمة من ذلك أنّ تصوّر الحيوانات يرتبط بعناصر متشابهة بين فصائل
مختلفة مثل (فرس البحر، حصان البحر، الكلب الذئب chien-loup...) ومن ذلك أيضا أنّنا نتصوّر خصائص مشتركة بين الفعل والاسم
والحرف في نحو العربيّة (الحروف المشبّهة بالفعل [إنّ واخواتها] / الاسم المبنيّ
يشبه الحرف/ الفعل المضارع يشابه الاسم في الإعراب). لقد كتب المسعدي مثلا نصّ
السدّ وسمّاه رواية مسرحيّة، ألا يمثّل هذا التصنيف استرسالا بين مقولة المسرحيّة
القائمة على الحوار ومقولة الرواية القائمة على السرد؟
إنّ تحديد المعنى في المفردة ليس قائما على تحديد جملة
من السمات الشكليّة المجرّدة المتعالية عن الواقع والاستعمال فخصائص المعنى وسماته
الدلاليّة ليست قائمة من الشروط الضرورية والكافية بل هي عبارة عن تشابه أسري بين
مجموعة من العناصر المتفوتة في تمثيل المقولة.
- الانتماء إلى المقولة يخضع ذهنيّا إلى مستويات حدّدتها
إليون روش في علم النفس العرفاني، فكلّ مقولة في ذهن المتكلمين قائمة على مجموعة
من العناصر المتشابهة في ما بينها ويكون أحد هذه العناصر هو الأكثر تمثيلا لها. وهذا
العنصر الأكثر تمثيلا للمقولة يسمّى الطراز (prototype).
ج- مفهوم الطراز في تصوّر علم الدلالة العرفانيّ لمعنى
المفردة:
نشأ مفهوم الطراز في أعمال إليون روش 1973 في علم النفس
العرفانيّ. ويمكن أن نميّز اليوم ضمن ما يعرف بعلم دلالة الطراز (sémantique
du prototype) بين ثلاثة توجّهات نظرية كبرى
عند كلّ من إليون روش (1978) وجورج كلايبر (1991) وجورج لايكوف (1987). ارتبطت
نشأة نظريّة الطراز بمفهوم التشابه الأسريّ، وانتقل المفهوم سريعا من ملاحظة
التشابه بين معاني أصناف الحيوانات والنباتات إلى دراسة التشابه بين المقولات
النحويّة. وتقوم نظريّة الطراز في الدلالة
المعجميّة على ثلاثة مفاهيم أساسيّة: المَقْوَلَة والطراز والمستوى القاعديّ.
فالأشياء التي تنتمي إلى مقولة واحدة ليست متطابقة بل
متشابهة مع وجود عنصر ضمن المقولة يكون الأكثر بروزا وتمثيلا لخصائص المقولة. فقد
أثبتت البحوث في علم النفس العرفانيّ أنّ العناصر الممثّلة للمقولة ليست متساوية
في الانتماء. فبعضها يعتبر ممثّلا بارزا للمقولة وبعضها يكون أقلّ تمثيلا لها. فلو
نظرنا في مقولة الكلب لوجدنا أنّ الكلب الأليف في تصوّرنا هو الصنف الأكثر تمثيلا
لهذه المقولة أمّا بقيّة الأنواع فهي أقلّ تمثيلا لها، فحين نفكّر في مقولة الكلاب
لا تتبادر إلى أذهاننا صورة الكانيش او كلب البلدغ أو الكلب الألمانيّ berger
أو السلوقيّ. بل نمطا معتادا عندنا هو (الكلب
العربيّ).
أمّا مفهوم الطراز فيجيب عن سؤالين في الدلالة
المعجميّة:
* ما هي مقاييس تصنيف معنى الشيء ضمن مقولة محدّدة؟
* لماذا نختار مستوى محدّدا من المقولات في التصنيف ،
كأن نصنّف (أ) ضمن مقولة الكلب ولا نقول إنّه من "الحيوان" أو "الثدييات"
أو "حيّ"؟
يجيب مفهوم الطرازعن السؤال الأوّل من خلال مرحلتين من مراحل تطوّر هذه النظريّة:
* مرحلة نظريّة الطراز الأصليّة عند روش: الطراز هو
الممثّل الأكثر قربا من خصائص المقولة فمثلا حين نتحدّث عن مقولة الغلال يكون
التفّاح العنصر الأكثر تمثيلا لهذا الصنف. وبذلك يكون تصنيف الشيئ حسب قربه من
خصائص المقولة مع الملاحظة أنّ الأشياء تختلف في انتمائها إلى المقولة فالفراولو
وجوز الهند والتين ليست أفضل ما يمثّل الغلال في تصوّراتنا الثقافيّة.
* مرحلة نظريّة الطراز الموسّعة: الطراز ليس عنصرا حسّيا ضمن أصناف المقولة بل هو
عبارة عن تصوّر نموذجيّ في ذهن المتكلّمين قائم على خصائص نموذجيّة لا يمكن
تحقيقها مجتمعة في عنصر حقيقّيّ فهو سمات نمطيّة مجرّدة (traits
typiques abstraits). فمثلا التفّاح
ليس عنصرا واحدا ففيه أنواع مختلفة ولو ذهبنا إلى لشراء نوع محدّد لوجدنا في كوم
التفّاح تفاوتا كبيرا بين التفاحة والأخرى. إذن فطراز التفّاح الممثّل للغلال هو
صورة نموذجيّة ذهنيّة عامّة قائمة على منوال عرفانيّ مؤمثل (représentation
idialisée). حيث يقول لايكوف: "إنّنا
نبني معارفنا بواسطة أبنية نسمّيها مناويل عرفانّة مؤمّثلة". فالعنصر (أ)
مثلا ينتمي إلى مقولة محدّدة إذا وافق خصائص ذلك المنوال المؤمثل. وهو لا يوافقه
إذا ابتعد عنه. ومن هذه المناويل المؤمثلة التي تنظّم حياتنا: الزواج الأسبوع، قيمة
الخير أو الشرّ ...
السؤال الثاني نجد له جوابا في مفهوم المستوى القاعديّ
وهو يتعلّق بطريقة تصنيف الذهن للمقوت وتلقيها. فقد اقترحت روش ثلاثة مستويات: 1-
مستوى أعلى (niveau superordonné) [ الحيوان] 2-
مستوى قاعدي (n. de base) [الكلب] 3- مستوى
أدنى (.n. subordonné) [السلوقيّ، كلب
الحراسة ...berger]. نلاحظ أنّ المستوى القاعدي من التصنيف هو الأكثر بروزا وهو
المقولة المستعملة عند سائر المتكلمين. الأمر نفسه يحدث في الخبر "اشتريت
عصفورا جميلا" فلم نخترمقولة الطير أو الحسون أو بومزيّن بل اخترنا المستوى
الأوسط لتصنيف المقولات وهو م.القاعدي الذي يمثّل المستوى الأسرع إلى أذهاننا
لأنّه يحمل المعاني والألفاظ الأكثر استعمالا في تجاربنا اليوميّة. إذن معاني
الاشياء ومقولاتها تعكس طريقة تمثلنا لها واستعمالنا لتلك المعاني.
II- أهمّ المفاهيم والقضايا المطروحة:
لقد رأينا أنّ قضايا علم الدلالة المعجميّ ترتبط بما
يؤثّر في النظر اللسانيّ من تصوّرات منطقيّة وفلسفيّة وسيميائيّة. ولذلك يمكن أن
نعتبر أنّ القضايا المتّصلة بالمعاني المعجميّة للكلمة المفردة بقيت حاضرة من
البنيويين إلى التوليديين وصولا إلى العرفانيين لكنّ طريقة التناول ومنهجيّة
التحليل اختلفت مع تغيّر هذه المؤثّرات وانفتاح اللسانيّات عموما وعلم الدلالة
خصوصا على مؤثّرا جديدة تتروح بين علم النفس والمنطق والرياضيّات والعلوم
الطبيعيّة. ومن أمثلة هذا التبدّل مثلا انتقال التأثير من تصوّر (ش ض ك) للحقيقة
إلى مبدأ التشابه الأسريّ في تحديد المقولات الدلاليّة.
يطرح علم الدلالة المعجميّ على اختلاف مراحل تطّره شبكة
من المصطلحات والمفاهيم والقضايا نكتفي بالإشارة إلى نماذج منها دون أن ندّعي
حصرها كلّها. من هذه القضايا البعد السميائيّ للعلامة اللغويّة.
1
– توسيع النظر في الدليل اللغوي بين علم الدلالة والتصوّرات السيميائيّة:
قاد انفتاح علم الدلالة المعجميّ على سائر العلوم
والاختصاصات إلى توسيع النظر في معنى الدليل اللغويّ (العلامة الللغويّة) ليشمل
مقاربات السيميائيين. فالدلالة المعجميّة للكلمة طرحت في اللسانيات باعتبارها
دليلا لغويّا وجزءا من نظام اللغة من خلال آراء دي سوسير (اعتباطية العلامة/ الدال
والمدلول) لكنها منذ البداية ارتبطت في تصوّره بمجال أعمّ من اللغة، تكون اللسانيات
جزءا منه وهو "علم السميائيّة" الذي يدرس الدلائل اللغوية وغير اللغويّة
ويتناول أنظمة التواصل كإشارات المرور والتواصل بين الحيوانات واللغة...وسمّى هذا
العلم "السيميائيّة" (sémiologie). بالتزامن معه كانت لبيرس مساهمة أوضح في تأسيس هذا العلم الذي
سمّاه "السيميوطيقا" (semiotics) فقد قدّم تصوّرا لخصائص المعنى في العلامة اللغويّة وغير
اللغويّة من زاوية فلسفيّة منطقيّة، لكنّ التفرقة بين "السيميولوجيا"
و"السيميوطيقا" لم تعد قائمة بين الباحثين، خاصّة بعد اعتماد "الجمعية
العالمية للسيميائيات" (1974) مصطلح ."Sémiotique" ويشير سعيد بن كراد
[مجلّة علامات العدد 16] إلى أنّ السيمائيّة علم موضوعه الأساسيّ هو السيرورة التي
تؤدّي إلى فعل الدلالة (semiosis)، إذ يقول:
ولذلك وسّعت
الدراسات السيميائيّة النظرإلى مفهوم العلامة اللغويّة ووصلتها بالدلالة في بعدها
العام. ويمكن أن نذكر منها :
أ* خصائص المعنى في تصوّر بيرس للعلامة:
لا ينظر بيرس للعلامة اللغويّة من منظور لسانيّ بل من
زاوية فلسفيّة إذ يعتبر الوجود كلّهمبنيّ على العلامات وتفكيرنا كلّه قائم على
العلامات. وقد قدّم تصوّرا مغرقافي التجريد عدّه الدارسون صعب الإدراك نظرا
لمثاليته وغغراقه في التجريد. وقد ميّز بين ثلاثة أنماط من العلامة: العلامة الرمز
وهي إحالة على معنى من خلال سنن أو نظم رمزيّ: منها العلامة اللغوية، إشارات
المرور... والعلامة القرينة indice وهي إحالة مادّيّة فيزيائيّة على المعنى :الدخان،الرائحة،
اللون) والعلامة الأيقونة وهو تمثيل حسّيّ يعتمد المشابهة مثل النحت والرسم والصورة..
اعتبر بيرس
العلامة عموما بما في ذلك العلامة اللغويّة متكوّنة من ثالوث: العلامة/الممثِّل (representamen/signe) والموضوع objet (الشيء المحال عليه) والمؤوِّل interprétant (المدلول)". وقد راجع الدارسون
تصوّره فاعتبروا المعنى يناسب مكوّن المؤوّل عنده وهو مفهوم مغرق في التجريد:
فالمؤوّل جانب مجرّد داخل العلامة يقصد به شخص مثاليّ يخلق فيه الممثّل علامة
مماثلة تقوم بتأويل دلالة العلامة الأولى وهو أقرب للصورة الذهنية عند سوسير. هذا
التصوّر المعقّد عند بيرس ساهم كارناب ومورّيس في تبسيطه ليصبح له بعد تجريبي. من
خلال اعتبار المؤوِّل هو ما يعتقده السامع المتقبّل من صورة ذهنيّة/مدلول.
ب* المثلّث السيميائيّ عند أودغن وريتشارد
:
هناك أنماط
ثلاثيّة متعدّدة للعلامة درسها أمبرتو إيكو وبيّن وجود اختلافات اصطلاحية أو
مفهوميّة بينها. وأبرز مثلث سيميائي نجده أوديغن وريتشاردس حيث أقحما مفهوم المرجع
(référent) في كتابهما معنى
المعنى (1923) ويعني الشيء الذي تحيل عليه العلامة اللغويّة في الواقع. وصاغا ذلك
ضمن ما يعرف بالمثلث السيميائيّ (Le triangle
sémiotique d'Odgen & Richard) حيث تتكوّن
العلامة اللغويّة من الدال (الكلمة) والمدلول (المفهوم) والمرجع (الشيء) ويقوم هذا
المثلث على علاقة مباشرة بين الدال والمدلول وبين المدلول والمرجع وعلى علاقة غير
مباشرة بين الدال والمرجع: (1)المثير/الدال/ الكلمة (stimulis/signifiant) يرمز إلى المدلول (2) المدلول: المعنى، تصوّر منطقيّ أو ذهنيّ (concept/signifié) يحيل على المرجع (3) الشيء/مرجع/ محال عليه (référent):
ج*
النمط الرباعيّ للعلامة عند جماعة µ والقيمة الدلاليّة لمادة
العلامة اللغويّة :
يميّز مجموعة µ بين العلامة الأيقونية والعلامة التشكيليّة غير الأيقونية (signe
plastique non-iconique) التي يوجد ضمنها
الدليل اللغويّ. وقد اقترحوا في تصوّرهم للعلامة التمييز بين الجانب المادّي من
العلامة اللغويّة (الصوت، الكتابة، الرائحة، المشهد البصري) والجانب الشكليّ من
الكلمة (الدال: لفظم/صواتم) واقترحوا لذلك نمطا رباعيّا للعلامة اللغويّة
(مثير/دال/ مدلول/ مرجع) وبذلك أعطوا للجانب المادّي من العلامة اللغويّة دورا غير
مباشر في دلالة اللكلمة على المعنى فالمثير هو المعبر المادّي الذي من خلاله ننتقي
في نظام اللغة الدال أي الجانب المادّي الذي ينبّه إلى وجود الدال مثل صوت القدر
على النار أو رائحة الشواء أو شعار المطعم التي تنبّه جميعا إلى الوحدة المعجمية:
[شواء].
د* توسيع النظر في مفهوم العلامة عند أمبرتو إيكو:
ساهم إيكو
باعتباره فيلسوفا في السيميائيّة ببحوث ركّزت على العلامة غير اللغويّة معتمدا على
تصوّر بيرس لاصناف العلامات: فركّز على العلامة الأيقونيّة التي تعتمد على مشابهة
ما تحيل عليه وركّز تحديدا ما يرتبط بالصور ( الرسوم، التماثيل، النقوش، الصور، الأفلام ...).
* اعتبار النموذج اللسانيّ للعلامة أرقى أنواع الأنظمة
التواصليّة وأكثرها انسجاما، لكنّ إسقاط سيرورته السميائيّة على أنماط سيميائيّة
أخرى غير لسانيّة ليس مفيدا ولا يساعد على اكتشاف نظامها فلكل نظام سيرورته
السيميائية (كيفيّة إنتاجه للدلالات).
* العلامة اللغوية وغير اللغوّيّة ليست معزولة بل هي جزء
من نسق ثقافي ونظام عام للدلالات وتفكيرنا كله قائم على الرموز والعلامات التي
تحمل دلالات، فليست السميائيّة مجرّد علم خاص بالعلامات وليست العلامة "شيء
ما وضع محلّ شيء آخر"كما هو شائع، بل هي سيرورة إبلاغيّة تستند إلى دلالات
ثقافيّة.
* إثارة قضايا فلسفيّة: المثير المادّي في العلامة مجرّد
اختصار للعلامة، والحامل المادّي للعلامة لاقيمة له إلا من خلال السيرورة
السيميائيّة التي تجعله حاملا للمعنى والعلامات بذلك جزء من نشاط سيميائي يمثّل
حالة وعي معرفيّ عند الإنسان ينظّم به تجاربه الثقافيّة.
2- العلاقات الدلالية:
التصوّر التقليديّ للمعجم يعتبره قائمة مغلقة من الكلمات،
وكلّ كلمة لها معناها الخاصّ المنفصل عن بقيّة المعاني. لكنّ آراء الدلاليين لا
توافق على هذا التصوّر. فالمعاني المرتبطة بالمفردات ليست كيانات منفصلة بعضها مستقلّ
عن بعض بل هي تترابط ضمن نظام المعجم بعلاقات دلاليّة متناسقة. فكلمات مثل
"إنسان، بشر، شاب، عجوز، فتى" تحيل على علاقات دلاليّة نسقيّة من بينها:
الاشتراك، الترادف، الاحتواء، الحقل الدلاليّ. فما هي أبرز القضايا الدلاليّة التي
تطرحها تلك العلاقات؟
أ- الاشتراك (polysimie) :
اللفظ المشترك هو الدال الواحد الذي يعود
على أكثر من مدلول، فمثلا نجد في المعجم ألفاظا تدلّ على معانِ متعدّدة:*العين:[عضو
في البدن] *العين:[مصدر الماء] *شجن (الحُزْن/ هوى النفس/ الحاجة) *العمُّ: (أخو الأب/الجمعُ الكثير)*الجون:(الأسْود/
الأبيض) *الأرض: (كوكب/أسفل قوائم الدابة/النَّفْضَة والرِّعْدة /الزكام).
وقد نجد نوعا مخصوصا من
المشترك وهو وجود دال واحد لمدلولين متعاكسين ويسمّى التضادّ (opposition) فـ "بان" لفظ يعود على الظهور والابتعاد. لكن مالذي
يجعل المتكلمين يستندون إلى نفس الدال للتعبير عن مدلولات مختلفة؟
لماذا يقتصر المتكلّمون
على لفظ واحد لتأدية معان مختلفة؟ فهل يتعلّق الأمر بمجرّد اقتصاد في الوصف؟ ثمّة أسباب
كثيرة اجتهد علماء الدلالة في فهمها لتفسير ظاهرة الاشتراك وهي تتعلّق بحيويّة
اللغة في الاستعمال فالمعجم ليس قائمة مغلقة وجامدة من المعاني بل هو أبنية
دلاليّة تفاعل وتطوّر.
يمكن أن يكون سبب الاشتراك بلاغيّا فما يجعل نفس اللفظ يعود
على أكثر من معنى هو دلالته المجازيّة فلفظا (عين، أرض) كلاهما يحمل دلالة متكرّرة
في سائر المعاني (السيلان، الأسفل). ويمكن أن يكون تطوّر الاستعمال سببا في محافظة
اللفظ على دلالة قديمة واكتساب دلالة جديدة، ويمكن كذلك للتجربة الثقافيّة
للمتكلمين أن تكون سببا فطريقة بناء البيوت عند بعض التونسيين تجعل لفظ "صحن"
حاملا لدلالة جديدة تختلف عن دلالته في المطبخ.
كانت النظرة التقليديّة تحصر الاشتراك الدلالي ضمن نفس
القسم النحوي فيكون الاشتراك الدلاليّ بين معاني الأسماء أو معاني الأفعال أومعاني
الحروف. لكنّ النظريّات العرفانيّة الحديثة توسّعت في هذا المفهوم كثيرا ومن
أعلامها (Lakoff 1982 ; Brugman 1983 ; 1984 ; Sweetser 1984 ; Traugott
1986). فيمكن حينئذ أن
يكون الاشراك بين كلمتين تنتميان إلى قسمين مختلفين: (يزيد/يزيد). ويمكن حسب
بروغمان أن يكون هذا التعدّد الدلالي مدخلا لترتيب تلك المعاني ترتيبا زمانيّا
بناء على تطوّر دلالي في معنى الكلمة (عين: 1-عضوالبصر 2-مصدر الماء 3-جاسوس...).
وتحدّثت كاترين فوش في هذا الإطار عن دلالة نواة منها تنشأ بقيّة الدلالات تباعا.
وقد شكّلت قضيّة الاشتراك الدلالي من الاهتمامات
المركزيّة التي حاولت نظريّة الطراز إيجاد تفسيرات لها. يقول لايكوف (1987):
"يمثّل الاشتراك الدلالي حالة خاصّة من عمليّة المَقْولة الطرازيّة حيث تكون
معاني الكلمة الواحدة أمثلة لمقولة واحدة" [1987؛378]. وتشير نظريّة الطراز
في مختلف مراحلها إلى وجود دلالة طرازيّة في المشترك تكون هي الأكثر بروزا وتمثّل
دلالة أصليّة منها تنبثق عبر الزمان بقيّة الدلالات. ولذلك اعتبر كثير من
اللسانيين أنّ المعاني الفرعيّة هي نوع من الضجيج أثناء عمليّة المَقْوَلة فتنتج
معاني فرعيّة حول المعنى الأصليّ. لكنّ نظريّة الطراز تشير إلى أنّ المعاني ليست
مجرّد فروع بل هي معاني جديدة تنشأعن الأصل المادّيّ على سبيل المجاز والمشابهة
والمجاورة.
ب- الترادف (synonymie):
يُعرّف الترادف بأنّه
ارتباط دالّين أو أكثر بنفس المدلول. فمثلا (طريق/ ثنيّة/ درب/سبيل/مسار) جميعها دوالّ
تعود نفس المعنى (المسلك الطويل الذي نقطعه للوصول إلى منتهى). كما نجد أفعالا لها
نفس المعنى تقريبا: [قال، تكلّم، تحدّث، نطق]. فيسمّى كلّ لفظ منها مرادفا (synonyme).
يكون الترادف مطلقا
تامّا فيحدث بين كلمتين خارج كل سياق ومهما تغيّرت المقامات وهو نادر ويتعلق غالبا
بأسماء الأعلام وتسمية نفس الشيء باسمين اثنين ويكون ترادفا جزئيّا سياقيّا: وهو
الأكثر انتشارا في العلاقات الدلاليّة ( ملأ /شغل الوظيفة) ويحدث بسبب السياق
التركيبيّ.
لكن هناك اختلاف في
وجهات النظر حول حقيقة الترادف. فهل هناك حقّا تطابق تامّ في مدلولات هذه الألفاظ
أم أنّها مدلولات مختلفة ولو جزئيّا؟
هناك رأيان حول وجود
الترادف في اللغة:
* رأي يقرّ بوجود
الترادف: وجود ألفاظ لها معنى واحد له أسباب عند بعض الدارسين، منها:
ـ التنوّع اللهجي بين
الجهات أو البلدان: اختلاف اللهجات في تسمية نفس المدلول: (السيف) [هندوانيّ/
المهنّد / الهَذَّاذ، الهَذْهَاذِ، الهُذَاهِذ].
(باهي/سمح/مزيان)
- التنوّع بين الفصيح
والعامّي: نزوع الخطابات الرسميّة إلى الفصيح: كرهبة/سيارة عامل/خدّام خشم/أنف.
- تطوّر المعجم: بقاء
كلمات قديمة من نفس اللغة مع وجود كلمات جديدة (رزق البيليك، الباي، كادر/إطار).
ـ التغييرات الصوتيّة: قد
تُولد كلمة من أخرى بتغيرات صوتيّة فتكون في اللغة مفردتان: بكّة/مكّةـ وسم/اسم.
ـ دخول الألفاظ
الأعجمية قد تتعايش كلمة ومقابلها الأجنبيّ في لغة واحدة لهما نفس المعنى:
راديو/مذياع ـ حاسوب/ كمبيوتر ـ صوتم/ فونيم – شرطة/ بوليس.
- اختصار لتركيب يدقّق
معنى ما: تركيب من لفظين ينفصل إلى مترادفين فيكون أحدهما تدقيقا للثاني فيأخذ
مكانه: جريدة/ يوميّة/ أسبوعيّة. مجلّة/حوليّة. رزنامة/يوميّة معلّقة/جداريّة
- أسباب تتعلّق بالمَقْوَلَة:
مقولات بعضها يتضمن بعضا لكننا نختار طرازا واحدا في كلّ سياق للتعبير بحسب اختلاف
المقام فطريقة بنائنا للمقولات تجعلنا نختار اسم الفصيلة لنعبّر به عن الجنس العام
أو الجنس العام لنعبّر به عن الفصيلة : الطير←العصفور، ←/الحسون/←(بومزيّن
الغرديل، المقنين) أسماء تونسية.
* رأي لا يعترف بوجود
ترادف في اللغة: هل يوجد معجمان لنفس اللغة؟ هل يمكن تبادل الكلمات المترادفة بين
جميع السياقات دون خلل؟
اللغة لا تأتي بلفظ
جديد إلا إذا كانت هناك زيادة في المعنى ولذلك لا يكون الترادف في اللغة تامّا،
وعندما نحلّل لفظين مترادفينتحليلا معينميّا نجد بينهما تطابقا في السمات
الدلاليّة العامّة لكن نجد فروقا في بعض السمات الدلاليّة الخاصّة: (إنسان:
باعتبار النسيان) ≠ (بشر: باعتبار بشرته بادية).
أنهكَ: [أضعف+
شدّة] أعدم:[موت غير طبيعيّ+عقاب ] ذبح: [موت+قطع الوريد]
أتعبَ: [أضعف] قتـل:[موت غير طبيعي+ مُسبّب] اغتال:
[موت+فجئي+سياسة]
الترادف دليل على
حيويّة اللغ وتطوّرها وحركيّة المعاني. لكن القول بوجود ترادف يعني القول بوجود
لغتين
ج- الاحتواء :
يعني الاحتواء أن يكون معنى كلمة ما جزءا ضمن معنى عام
لكلمة أخرى فمثلا توجد بين هذه الأسماء علاقات احتواء (السيارة العجلة المقود) فالسيارة معناها عام
وبقية الكلمات تحيل على معاني جزئيّة يحتويها مفهوم السيارة. كذلك الأمر في
العلاقة بين معنى (الكتاب) وبقيّة المعاني
الجزئيّة في ( الأسطر، الورق، الغلاف، الفهرس، المقدّمة).
تدلّ علاقة الاحتواء على أنّ المعاني ليست كياناتمنفصلة
بعضها عن بعض بل هي مترابطة وتستند إلى تنظيم المقولات في تجارب المتكلمين وفق نسق
محدّد يمكن أن نقول عنه إنّه شكل للمعنى. وقد يكون هذا الشكل الدلالي للعلاقة بين
المعاني كالآتي: الجزء/الكلّ (المقود/ السيارة) أو الفرد /المجموعة (المواطن /الشعب) أو الشيء/
مادّته (الجلد /الحقيبة) أو المكان/الناحية (صحراء/ واحة).إنّ هذه العلاقات تعكس
طريقة تنظيمنا للمقولات الدلالية في الذهن بناء على تجارب المتكلمين الثقافيّة. فالدلالات
المعجميّة تعكس طريقة تنظيم للكون من حولنا وليست مجرّد أسماء تطلق على الأشياء.
د- الحقل الدلاليّ (champs
lexical) :
يتعلّق مفهوم الحقل الدلالي بمختلف المعاني والدلالات
التي تثيرها استخدامات مفردة في المعجم في سياقات مختلفة. وهو بذلك يختلف عن
المشترك الدلالي لأنّه لا يتعلّق بمعاني مختلفة يعبّر عنها دال واحد ضمن نظام
المعجم بل بمعنى واحد للمدلول يقع استخدامه في مقامات جديدة فيكتسب بها دلالات
مختلفة فمثلا لفظ "عامل" في اللغة يمكن أن يثير دلالات مختلفة حسب سياق
استخدامنا له فمثلا كلمة بحر: قد تدلّ على المكان الطبيعيّ وقد تدلّ على غزارة
العلم وقد تدلّ الحرّية المطلقة في هذه الاستخدامات (ذهبت إلى البحر/ بحر من
العلم/ عُومْ بحرك). باستثناء أعمال (1939-1949
Leopold) لم يقع الاهتمام بمبحث الحقل
الدلالي في بحوث الدلاليّين إلا في السبعينات
Blum et Levenston
1978)).
عموما يمكن أن نستخلص من مبحث العلاقات الدلاليّة أنّ
المعاني في اللغة ليست مجرّد قائمة من الدلالات ترتبط بالكلمات في معجم لغة معيّنة
بل هي تستند إلى نسق من النظام يجعل كلّ معنى ينسج علاقات دلاليّة مع سائر المعاني.
فالدلالة لها نظام ومثلما تشترك الألفاظ كونيّا في خصائص صوتيّة وعلاقات صوتميّة
يكون للمعاني نظام وخصائص كونيّة يمكن أن تدرس في ضوء علاقتها بما ننشئه من
تصوّرات وما تشير إليه في العالم الخارجي.
3- قضيّة الإحالة في الوحدة المعجميّة:
إذا كانت العلامة اللغويّة في تصوّر دي سوسير دالا
ومدلولا فلاشكّ أن تلك الصورة الذهنيذة ترتبط بشيء ما نحيل عليه ونتحدّث عنه.
ولذلك اقترحت الأنماط النظريّة السيميائيّة للعلامة عند بيرس وعند يتشاردس &
أوديغن وعند جماعة µ عنصرا غير الدال والمدلول وهو
"المرجع" أو ما يسمّى كذلك بـ "المحال عليه" (référent). لكن على ماذا يحيل المعنى في الوحدة المعجميّة؟ وما هي الطريقة
التي يحيل بها ؟ ذلك ما كان موضوعا لبحوث دلالية وفلسفية وسيميائية وتداوليّة حول
قضيّة الإحالة (référence).
أ- تأثير التصورات الفلسفية للإحالة في علم الدلالة:
يميّز الفلاسفة في تعريف المفهوم بين المضمون والماصدق.
فالضمون هو جملة السمات المميّزة للموضوع، أمّا الماصدق فهو مجموع الأفد أو
المواضيع التي يمثّلها المفهوم. فمفهوم الوطن يتكوّن من سمات عامّة (أرض شعب لغة
ثقافة) والماصدق هو جملة البلدان الموجودة فعليّا وتمثّل أوطانا (تونس الجزائر
اليابان...). ولهذا التصوّر تأثير على علم الدلالة المعجميّ. وتشير الباحثة ماري
لوس هونست[2](Marie-Luce Honeste) إلى أنّ الإحالة على المرجع الخارجي (الماصدق)
في التصوّرات الفلسفيّة تتوزّع بين ثلاث وجهات نظر تختلف في طريقة النظر إلى
العلاقة بين الكلمة والمعنى والشيء المحال عليه في في العالم الخارجيّ:
1* المرجع هو شيء موجود في العالم المادّيّ:
اللغة في هذا التصوّر في علاقة مباشرة بالأشياء في
العالم الخارجي فهي تصفه وتقدّم لنا خريطته المفصّلة وكل كلمة في علاقة مباشرة
بالشيء الذي تصفه. وهذا التصوّر يقتضي اعتبار وجود واقع في الخارج مطابق للكلمات
في اللغة. وهذا التصوّر نجده في التراث اللسانيّ وهو أمر تنقضه الدراسات الحديثة
فهناك أشياء في اللغة من وحي الخيال لا مرجع لها في الواقع.
2* المرجع هو محتوى دلاليّ يوجد في اللغة ولا علاقة له
بالأشياء الموجودة في العالم المادّي:
المرجع عبارة عن عنصر لغويّ داخل نظام دلاليّ. وهو يشتغل
مستقلاّ عن الواقع المادّي وأشياءه ويخلق معانيهعن طريق التقابلات الدلاليّة
والسمات التمييزيّة مع بقيّة عناصر النظام. كلّ شكل لغويّ (الدال) له علاقة بمحتوى
دلاليّ (مدلول) وهذا المدلول يرتبط بمعنى
المرجع باعتباره مجموعة عناصر دلاليّة تشكّل مقولة (بالمعنى الأرسطيّ) ذات شروط
ضرورية وكافية.وهذا التصوّر للإحالة نجده خاصّة في المدارس البنيويّة.
3* المرجع هو تمثيل دلاليّ يوجد في الذهن ويعبّر عن
طريقة تصوّرنا لاشياء الموجودة في العالم المادّي:
البنية الدلاليّة في الكلمات (المدلول) لا ترتبط بالشيء
في حدّ ذاته بل بما نتصوّره عن الأشياء لأنّ اللغة ليست في علاقة مباشرة بلعالم
كما في التصوّر البنيويّ بل هي في علاقة بالتصوّرات الذهنيّة كما يرى ذلك
العرفانيّون. فالكلمة ترتبط بتمثيل ذهنيّ حول الشيء لهذا السبب يمكن أن نبتدع
اشياء في أذهاننا نعتقد أنّها موجودة (اساطير خرافات خيال) ونتحدّث عنها باللغة
كما لو أنّها موجودة. ومن الملاحظ أنّ هذا التصوّر يعل معاني الكلمات يمكن أن تجمع
بين خصائص مقولات مختلفة إذ لا يوجد فصل صارمبين المقولات. مثل تصوّرنا لعروس البحر
أو الحصان الطائر. فهي تجمع في أذهاننا عن طريق اللغة بين خصائص مقولات مختلفة
(الإنسان /السمك /الحيوان /الطير).
ب – أهمّ القضايا التي يثيرها مفهوم المرجع :
نلاحظ
أنّ دي سوسير استثنى المرجع من اهتمامه
باعتباره يمثل الجانب المادّي من معنى العلامة اللغويّة. فالمدلول عنده صورة ذهنية
عن الأشياء لا الأشياء في حدّ ذاتها. لكنّ المقاربات السيميائيّة والفلسفيّة
اختلفت في إسناد دور للمرجع فاعتبرته هو الشيء نفسه أو هو صورة ذهنية او لغويّة
مثاليّة عن الشيء كما يظهر في التمثيل التالي:
يصطدم التصوّر الحسّي للمرجع عند القائلين بارتباط
معاني الكلمات بالشيء الحقيقي في العالم الخارجيّ بوجود علامات لغويّة تعبّر عن
معاني مجرّدة ليس لها وجود حسّي مثل الشجاعة والمجد والخير. ويزداد الأمر تعقيدا
مع معاني كلمات تحيل على معاني أسطوريّة لا مرجع لها في الواقع. وقد وجد بعض
الدلاليين في نظريّة العوالم الممكنة الفلسفيّة مخرجا: فالمرجع ليس شيئا مادّيا
يوجد في العالم الحسّي بل هو شيء مفترض في تصوّراتنا نشير إليه باعتبار وجوده
الذهنيّ الممكن لا وجوده الحسّي الضروريّ.
ترتبط
النظريّات الدلاليّة بخلفيّات فلسفيّة وتنعكس هذه الخلفيّات على تصوّرها لمفهوم
المرجع. فالكلمة علامة تحيل على اشياء لسنا متأكدين إن كانت حقيقّيّة أم لا.
فكلمات مثل "جمل بروطة – أبو القاسم الشابيّ - جامع عقبة - علي بابا" ليست دائما مرتبطة بشيء محدّد
مادّيا في العالم الخارجي. فقد يكون مرجعها شيئا حقيقّيّا (جامع عقبة) وقد تكون
مرتبطة بشيء مثاليّ (جمل بروطة الذي يتجدّد بعد هرمه) أوتعود على شيء كان موجودا
(الشابيّ) أو شيئا متخيّلا (علي بابا). فالمرجع إذن قد يكون له وجود مادّيّ أو
ذهنيّ أو لغويّ. ولهذا السبب لا يمكن النظرإلى المرجع من منطلق رؤية المقاربة
العقليّة للمعنى باعتباره يحيل على الوجود المادّي الموضوعيّ للأشياء. وعلى خلاف
ذلك يمكن النظر إلى المعنى في ارتباطه باللغة فكثير من المعاني لها وجود لغويّ لا
حقيقيّ كما يتصوّر البنيويّون. أمّا العرفانيّون فيعتقدون أنّ الاشياء توجد في
تفكيرنا وجودا ذهنيّا يتاثّر بالعوامل الثقافيّة والنفسيّة.
[1] - «Le lexique est la somme des
irrégularités d’une langue » Josette Rey
Debove (1998) : la linguistique du signe; une approche sémiotique
du langage,Armond Colin, Paris, p24.
[2] - Honeste
Marie-Luce. Un mode de classification sémantique : la polysémie. In: Faits de
langues, n°14, Octobre 1999. La
catégorisation dans les langues. pp. 27-36. http://www.persee.fr/doc/flang_1244-5460_1999_num_7_14_1262
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
قائمة المصادر والمراجع المعتمدة في درس علوم دلاليّة تجدون روابط التحميل أسفل كلّ مرجع متاح وسيتم تحيين بقية الروابط كلما توفّرت 1 - ...
-
الدرس الأوّل: مدخل عام إلى علم الدلالة درس عام رابط التحميل https://drive.google.com/file/d/0B5OAWpdHaWwBbjdxZ0VUbzhibDQ/view?usp=...
-
الدرس الثاني: أهّم قضايا المعنى في الدلالة المعجميّة أهداف الدرس: * تبيّن أهمّ المقاربات النظريّة في اللسانيّات لمعنى المفردة في تصوّ...
-
اضغط هنا لتحميل الدرس: الدرس الثالث الدلالة التركيبيّة قضايا المعنى في الدلالة التركيبيّة تعن...